«ومن اعتقد في إحياء الكتاب والسنَّة والأنس بهما موتًا لتصانيف
المتقدِّمين وهجرانًا لها؛ فقد اعتقد أنها منافيةٌ لهما، وأنَّ بينها
وبينهما ما بين الضرَّتين (رضى هذي يحرِّك سُخْط هذي)، ثمَّ آثرها -وهي
الفرع- عليهما -وهما الأصل-، وتلك غباوةٌ مغبَّتها شقاوةٌ. ونحن لا نرى
منافاةً بين تفهُّم الكتاب والسنَّة ودراسة مؤلَّفات العلماء، وليست الدعوة
إليهما تزهيدًا في تراثنا من أسلافنا، بل هي حثٌّ على الانتفاع بذلك
التراث القيِّم، لأنَّ الناظر فيهما يحتاج إلى النظر فيما كُتب عليهما
وما استُنبط منهما وما هو وسيلةٌ إليهما، وقد يتعرَّف بذلك إلى علومٍ
كونيةٍ مجملةٍ فيهما، هذا إلى تحصيل مَلَكة البيان من أسلوبهما، وإحياء
طريقتهما في الهداية، فتكون الدعوة إليهما دعوةً إلى الأصل والفرع معًا،
أمَّا الدعوة إلى كتب الفقه مثلاً خاصَّةً كما يريد المعارِضون؛ فهي
دعوةٌ إلى الفرع وإهمالٌ للأصل، والنهِم الذي لا يشبع من طلب العلم لا
يتَّسع لنهمه غير الكتاب والسنَّة، والقهِم غير الشهوان لا يجمل به أن
يقيِّد قدرةَ غيره بعجزه، ولا يزيِّنه أن يتَّخذ من ضعفه مقياسًا لقوَّة
القويِّ».
[مبارك الميلي «رسالة الشرك ومظاهره» (79