بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أشرفِ خلق الله، محمد وآلهِ وصحبهِ ومن والاه، ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ نلقاهُ.
وبعد.
فهذه مختاراتٌ من كتاب "
شرح منظومة قلائد العقيان بنظم مسائل الإيمان " نظم وشرح
الشيخ الدكتور عصام البشير المراكشي – حفظه الله - وقد قال:
(وقد راعيتُ فيه الاختصار الشديد مع الإحاطة بكل جوانب الموضوع، ولمّ
شمله، وأما الاختصار فلأنني لو بسطت الكلام في هذا المباحث المعروضة لجاء
الكتاب فيه عدة مجلدات، مع أن المقصود إنما هو تقديم متنٍ مختصر مشروحٍ
ومعد للحفظ والتدريس، وأما الإحاطة فلأن هذه المنظومة تشتمل على كل المباحث
النافعة في موضوع الإيمان ولا تغفل شيئًا مما يحتاج إليه المسلم في هذا
الباب بل إنّ فيها إشاراتٍ مفيدة في كافّة أبواب العقيدة، بحيث يمكن أن
تدرس العقيدة كلها من خلال هذه المنظومة إذا راعى المدرّس التفصيل اللازم
في مواضع التفصيل، والإجمال في مواضع الإجمال).
وقد سبقَ هذا الشرح تلخيصي لكتاب "
الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل " للشيخ محمود آل خضير، لذا تركتُ أكثر ما في الكتاب في الباب الأول من مبحث "
الإيمان " للتشابه بنيهما، وتركت الباب الأخير وهو "
نواقض الإيمان " لمخص الكتاب المقبِل- إن شاء الله - وهو "
نواقضُ الإيمانِ القولية والعملية " للشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف، لطلب بعض الأخوة أن لا أكرر أي مبحثٍ لخص في كتابٍ آخر.
ويجدُر التنبيه بأهمية حفظ منظومة "
قلائد العقيان بنظم مسائل الإيمان " لطلبة العلم، لكونها على بحرِ الرجز، وسلاسة لفظها، وسهولة سبكها، وجزى
الله مؤلف الكتاب ومن هداني إليه ومن أعارني نسختَه حتى أنهي هذا الملخص كل
خير.
وقد قسم المؤلف هذا الكتاب عدة أقسام: الباب الأول: حقيقة الإيمان، ويتضمن تعريف
الإيمان لغة، وشرعا، وقول القلب، وقول اللسان، وأعمال القلب، وأعمال
الجوارح، وأقوال أهل البدع في حقيقة الإيمان.
الباب الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه، ويتضمن أدلة الزيادة والنقصان، وأوجه الزيادة والنقصان، وأقوال المخالفين.
الباب الثالث: الكفر وضوابط التكفير، ويتضمن الكفر لغة واصطلاحا، وقاعدة تكفير المعين، وموانع التكفير، وقواعد في التكفير.
الباب الرابع: نواقض الإيمان في الربوبية، والأسماء والصفات، والألوهية، والنبوات والمغيبات وأمور أخرى.
(ص 43) أقوال أهلِ البدع في حقيقةِ الإيمان.
قال الناظم : ليس كما زعمت الخوارج ** ** فقولهم عن الصواب خارجُ
وما لمذنبٍ من المـآلِ ** ** وافقهم فيه ذوو اعتـــــزالِ
الشرح: مذهب الخوارج: يعد من أقدم البدع العقدية، إن لم أقدمها مطلقا، وقد صحت الأحاديث النبوية في الخوارج من أوجه متعددة وطرق كثيرة جدا، و
مذهبهم أن
الإيمان شامل للإقرار اللساني والتصديق القلبي وجميع أنواع الطاعات صغيرة
أو كبيرة، فالإيمان عندهم هو مجموع هذه الأشياء، وترك خصلة كفر، فمرتكب
الكبير خارج من الدين بالكلية.
مذهبُ المعتزلة : وهم متفقون على
أصول خمسة : العدل ويتصلون به إلى نفي القدر، التوحيد ومعناه نفي الصفات، الوعد
والوعيد، وثمرتُه إنكار الشفاعة وكون عصاة الموحدين في المشيئة، المنزلة
بين المنزلتين وذاك حكم مرتكب الكبيرة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
متوصلين به إلى الخروج على الحكام المسلمين بالقتال إذا جاروا.
وعقيدتهم في الإيمان: العاصي ليس مؤمنا ولا
كافرا، بل نسميه فاسقا، يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر وهذه المنزلة
بين المنزلتين، ولكنهم قضوا بتخليدهم في النار أبدا كالخوارج (
فوافقوهم مآلا، وخالفوهم مقالا، وكان الكل مخطئين ضلالا).
(ص47-51) طوائف المرجئة. طوائف المرجئة كثيرة جدا، وأصولها ترجع إلى ثلاثة أقوال في تعريف الإيمان، وهي المذكورة في النظم:
هذا وقد قال البعض في الإيمان ** ** بأنه التصديق بالجنان
والبعض زاد النطق باللـسان ** ** كما اكتفى به أولو الخذلانِ
وهذه الأقوال في التدقـيق ** ** بعيدةٌ عن منهجِ التحقيق
قد فرقوا شرائع الإيمان ** ** فخالفوا طريقة الرحمنِ
تجمعهم عقيدة الإرجاء ** ** ومنهج الفتون والأهواءِ
القول الأول: الإيمان يكون بالقلب واللسان معا دون غيرهما من الجوارح، وأشهر من يُنسب إليه :
أبو حنيفة وأصحابه، الملقبون عند أئمة السلف بـ "
مرجئة الفقهاء " واختلفوا في الذي يقوم بالقلب هل هو المعرفة أم التصديق؟ على قولين
اثنينـ وهل يكفي في المعرفة القلبية الاعتقاد الجازم أم لا بد من العلم
الصادر عن الاستدلال؟ أشهرها الأول.
القول الثاني: الإيمانُ
محصور القلب، وهم نوعان: أحدهما يقول بأن الإيمان عبارة عن معرفة الله، فمن عرفه بقلبه ثم جحده لسانه ومات قبل أن يقرّ به فهو مؤمن، و
هو قول جهم بن صفوان، وأبي الحسن الصالحي أحد رؤساء القدرية. و
الثاني أن الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب،
وهو مذهب أبي منصور الماتريدي واستقر عليه عامة متكلمي الأشاعرة المتأخرين. القول الثالث: ا
لإيمان هو الإقرار باللسان، ومنهم من جعل المعرفة في القلب شرطا في كون الإقرار اللساني إيمانا، وهو
قول غيلان الدمشقي والفضل الرقاشي، والكرّامية لم يشترطوه فالمنافقون عندهم
مؤمنون كاملون الإيمان، ولكن يقولون بأنهم يستحقون الوعيد الذي أوعدهم
الله به.
والرد على هذه الطوائف والأقوال: الدليل الأول: ما قاله شيخ الإسلام في بلوغ التواتر عند السلف الصالح أن المراد بالإيمان معناه الأصلي الشرعي.
الدليل الثاني: أنّ الله تعالى كلما ذكر الإيمان في القرآنِ أضافَه إلى القلب، (
أولئك كتبَ في قلوبهم الإيمان) (
وقلبُه مطمئنٌّ بالإيمان)
وهذه النصوص لا تنفي كون الأعمال جزءًا من مسمى الإيمان، بل " غاية ما
فيها بيانُ أن إيمان القلب هو الأصل والأساس لإيمان الجوارح ".
الدليل الثالث: جاء الإيمان مقرونًا بالعمل الصالح في غير موضع من الكتاب نحو (
الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فدلّ التغاير بين مفهوميْهَا، وذكر صاحب كتاب "
ظاهرة الإرجاء "
أن أعمال الجوارح في الأصل ليست من الإيمان، بل الإيمان أصلهُ ما في قلبه،
والأعمال لازمة له، لا تنفك عنه، ثم أدخلها الشارع فيه، فأصبح اسمُ
الإيمان شاملا لها على الحقيقة شرعا.
الدليل الرابع: نصوص الكتاب وأصول الشرع قد
دلّت على أن الإيمان لا ينتفي عن الذي يترك بعض الأعمال، وهذا يدل –بزعمهم-
على أن الأعمال ليست جزءًا من مسمى الإيمان أو ركنا فيه، إذ الشيء يرتفع
بارتفاع ركنه كما هو معلوم،
والحق: أن
هذا الدليل إنما يجاب به عن بدعة الخوارج والمعتزلة، لا على مذهب أهلِ
السنة القائلين بأن جنسَ العمل ركن في الإيمان، بخلاف آحاده، وقد سبق
التفصيل في هذا.
(ص67) تعريف الكفر لغةً واصطلاحا. في اللغةِ الكفر لسترٍ راجعٌ ** ** فالليل كافرٌ كذاك الزارعُ
وفي اصطلاحٍ ناقض الإيمان ** ** في القلب والأعضاء واللسانِ
الشرح:الكفر لغةً: الستر والتغطية، ومن الأمثلة
(الليل) فإنه يسمى كافرًا لأنه يغطي كل شيء، والزارع هو الفلاح وفي جواز تسمية
زارع خلافٌ، والصحيح الجواز، سمي كافرا لستره الحب وتغطيته إياه
بالتراب،واصطلاحًا: (الكفر عدم الإيمان باتفاق المسلمين سواء اعتقد نقيضه
وتكلم به، أو لم يعتقد شيئًا ولم يتكلم به) المجموع (20/86).
والكفر الذي هو نقيض الإيمان لا يخرج عن أمورٍ أربعة: (1) التكذيب أو الشك الذي يناقض تصديق القلب.
(2) عمل قلبي كفري يناقض عملا من أعمال القلوب الإيمان، مثل البغض الذي يناقض المحبة.
(3) قول لساني كفري يناقض شهادة أن لا إله إلا الله، أو الامتناع عن النطق بالشهادتين لغير عذر شرعي.
(4) عمل ظاهر من أعمال الجوارح مثل التولي عن طاعة الله وطاعة رسول ، أو التشريع من دون الله، أو ترك الصلاة على الصحيح.
(ص73) فليس محصورًا في الاعتقادِ ** ** وهل ترى خبيئة الفؤادِ؟ من حصر الكفر في الاعتقاد القلبي، كما هو
مذهب طوائف المرجئة،
يلزمه أن لا يكفر أحدا إلا بعد اطلاعه على باطنِ قلبه وتحققه من وجود
الاعتقاد الكفري فيه، وأدلة اعتبار الظاهر في الحكم بالكفر، وعدم حصره في
الاعتقاد.
-حديث (
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله
إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا
ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)
-قول النبي لأسامة بن زيد في القتال (
أشققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟) .
-قوله (
إني لم أمور أن أنقبَ عن قلوبِ الناس ولا أشقّ بطونهم).
(ص75) الأعمال المحرمة في الشرع على قسمين: القسم الأول: ذنوب مكفرة لذاتها، بقطع النظر عما يقوم قلبه، فهو بفعلها كافر ولو ادعى أنه لم يستحلها بقلبه،
والأدلة: (1) قوله تعالى (ي
حلفون باللهِ ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) فحكم بكفرهم بمجرد القول.
(2) قوله تعالى (
ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أباللهِ وآياته ورسوله كنتم تستهزوءن * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) قال شيخ الإسلام (فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوضُ ونلعبُ).
(3) الإجماع على التكفير بمجرد سب الله وسب رسوله ، كما قاله إسحاق بن راهويه.
أشكلت هذه الأدلة على المرجئة القائلين بأن الإيمان هو التصديق، إذ
الكفر لا يكون بمجرد العمل دون اعتقادٍ قلبي، فانقسموا إلى ثلاث طوائف:
الأولى: مرجئة الفقهاء والأشاعرة = قالوا: هذه الأفعال التي حكم الشارع بكفر أصحابها، ليست كفرًا في ذاتها،
ولكن هي دليل وعلامة على انتفاءِ التصديقِ من القلب، وهذا من التلفيق
المبتدع حتى لا يخالفوا الإجماع، فمحل النزاع بيننا وبينهم = هل الكفر
لذاتِ القول أو العمل، أم بسبب انتفاء تصديق القلب؟
الثانية:الجهمية، قالوا: من نص الشارع على كفره فهو في كافر في الظاهر، ويجوز أن يكون مؤمنا في الباطن، وهم في الحقيقة راجعون إلى الصنفِ الأول.
القسم الثالث: غلاةُ المرجئة، وقد التزموا عدم تكفير من الشارع على كفره بقول أو فعل مكفر إلا أن يصرح
بالجحد أو الاستحلال القلبي، وهذا مذهب في غايةِ الفساد والبطلان، بل نُقل
إجماع علماء السلف على تكفيرِ من يقول بذلك من المرجئة.
(ص85) والأول الأصلُ لدى الإطلاقِ ** ** كما تقرر لدى الحذّاقِ الكفر الأكبر هو الأصل في الكتاب والسنة وفي كلام السلف والأئمة حين
الإطلاق، للدليل اللغوي بالاستقراء، والدليل الشرعي من حديث "
أريت
النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفر " قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن
العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك قالت ما
رأيتُ منك خيرًا قط. فبين لهم النبي أن المراد هو كفر النهمة وكفر الإحسان، ولم ينكر فهمهم في معنى الكفر الأكبر.
وهنا قاعدة مهمة : إذا ورد الكفر في نصوصِ
الكتابِ والسنة معرفا بدخول " أل " عليه، فإنه لا يراد به إلا الكفر الأكبر
المخلد في النار، وأما إن ورد منكرًا فإنه محتمل لمعنيي الكفر.
يتبع ..