الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, أما بعد:
لقد كثر اليوم وللأسف من يقول بأن السلف كانوا يفوضون المعنى والكيف من
الصفات, ولا يدرون ولا يفهمون قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى), ونقول
لهم: أجيبوا هذه الأسئلة الثلاثة, فإنكم لن تجيبوا لها بإذن الله تعالى,
ونسأل الله أن يصلحكم.
أولا: نقول بأن أقوال السلف اشتهرت وتواترت بأن الله في السماء فوق العرش,
إذا فكيف فهم السلف بأن الله في السماء إن لم يكونوا يفهمون معاني الصفات؟
فلن تجد له جوابا, إلا إذا قال: لم يقل السلف بأن الله في السماء, وفوق العرش...
فلك في هذه الحالة أن تفتح أي كتاب في إثبات الفوقية لله, كالعلو للذهبي
وغيره من كتب أهل السنة والحديث, فلن يجد لهذا جوابا بإذن الله.
ثانيا: معروف أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسألون النبي صلى الله
عليه وسلم عن معاني القرآن إن لم يفهموا, فهل سألوا في معاني الصفات؟
بالطبع سيقول: لا لم يسألوا.
فنقول لهم: إذن فهم فهموا معاني الصفات, ولأجل هذا لم يسألو, وإلا سألوا, ولو سألو لنقل لنا الثقات هذه الأخبار.
فإن قال: ولكن أيضا لم يسألوا في كيفية الصفات, فهل تقولون بأنهم كانوا يعرفون الكيفية؟
نقول لهم: كلا والله, بل هم لم يكونوا يعرفون الكيفية, نعم لم يسألوا في
هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, لأنهم فهموا معنى قوله تعالى: (ليس
كمثله شيء وهو السميع البصير).
وبعد هذا فلن يجيب بإذن الله تعالى.
الثالث: نقول لهم: ألستم تستدلون بقول الإمام مالك: الإستواء معلوم والكيف
مجهول والسؤال عنه بدعة, وتقولون بأن هذا يدل على أن السلف لم يفهموا معاني
الصفات؟
سيقول: نعم, هو كذلك.
فنقول لهم: ونحن سنزيل عقيدتكم بحجتكم هذه بإذن الله, فنقول: أنتم يا أيها المتكلمون, كم رأي لكم في صفات الله تعالى؟
سيقول: بعضنا يفوض, وبعضنا يؤول.
فنقول لهم: وهل انتم بهذا الحال مذهب واحد؟
سيقول: نعم.
فنقول لهم: إذا كان معى قول الإمام مالك: (الإستواء معلوم, والكيف
مجهول...) بأن العنى مجهول, فأنتم إذا كذلك في ضلالة, لأن بعضكم يؤول,
والتأويل كما هو معلوم ان تعطي معنى ظاهره غير مراد, فإذا أنتم أيضا على
ضلالة وأنتم أهل بدعة على حسب فهمكم لقول الإمام مالك.
لأن الإمام مالك حسب زعمكم قال: بأن كل من سأل عن معنى الصفة فهو من اهل
البدعة, وانتم تقولون بالمعنى في الصفات, لأنكم تقولون مثلا: اليد بمعنى
القدرة إلخ... وهو إعطاء معنى للصفة, إذا فيلزمكم من هذا الفهم أن ترموا
نفسكم وأصحابكم المتكلمين بأنهم أصحاب بدعة على حسب فهمكم لكلام الإمام
مالك.
وبهذا يتضح بأن مراد الإمام مالك بأن الإستواء معناه معلوم, أما كيفيته
فمجهولة, وهكذا فهم الأئمة كلامه من أهل السنة والحديث, وحتى كبار الأشاعرة
صرحوا بأنه قصد بأن الإمام مالك صرح بأن المعنى معلوم في الصفات, وهم مع
ذلك يؤولون, وهكذا قال القرطبي وقبله ابن العربي من الأشاعرة.
وبهذا سيفضح هذا المفوض, ونسأل الله أن يرجعه إلى فهم أهل السنة واعتقاده.
والله اعلم.