القواعد النيرة من كلام إمام دار الهجرة
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) .
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن
نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً
كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً
سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا (71) ) .
أما بعد ، فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد
. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك
حميد مجيد .
منذ زمن طويل وأنا معجب بكلام إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله تعالى
فإني مذ سمعت قوله في صفات الله عز وجل (الاستواء غير مجهول، والكيف غير
معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) عرفت قدره في السنة وعلمتُ
لِمَ قال الشافعي
إذا ذكر العلماء فمالك النجم) ثم سمعت وقرأت من كلام
هذا الإمام رضي الله عنه ما هو آية في إصابة المعنى الحق بأوجز عبارة
وأجمعها فأحببت أن أجمع من كلامه ما يصلح أن يكون قاعدة في بابه، في مباحث
أصول الدين والمنهج أما الفقه والحديث فله مكانه. ولم أقصد الاستقصاء وإنما
هذا ما تيسر من خلال مطالعة سريعة لترجمة الإمام في سير أعلام النبلاء
للحافظ الذهبي وكتاب ( اعتقاد الأئمة الأربعة ) للشيخ الدكتور محمد بن
عبدالرحمن الخميس وكتاب (ذم الكلام ) لأبي إسماعيل الأنصاري الهروي وبحث
للشيخ الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر بعنوان ( الأثر المشهور عن
الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء ، دراسة تحليلية ) (مجلة الجامعة
الإسلامية - العددان 111 و112) ولم أكثر من العزو والتخريج لشهرة ما سأذكره
وكثرة رواته من أئمتنا المؤلفين في السنة وغيرهم ولسهولة الوصول إلى مصادر
الكلام. وقد أذكر نظائر لكلام الإمام أو تتمات وزيادات نافعة وإن لم تكن
على شرطي.
وليس غرضي هنا بيان مذهب الإمام مالك في أصول الدين ولا الترجمة له
والتعريف به ولا جمع آرائه الفقهية والأصولية، فذاك قد كتب فيه العلماء
الكثير ووضحوا وبينوا وجمعوا وأفادوا فجزاهم الله عنا خيراً.
العبد الفقير لله الغني
أخوكم الصغير أبو زرعة حازم
بين يدي الكلام
(( قال الشافعي: "العِلمُ يدور على ثلاثة: مالك، والليث، وابن عيينة".
وروي عن الأوزاعي أنه كان إذا ذكر مالكاً يقول: "عالم العلماء، ومفتي الحرمين".
وعن بقيّة أنَّه قال: "ما بقي على وجه الأرض أعلم بسنّةٍ ماضية منك يا مالك".
وقال أبو يوسف: "ما رأيت أعلمَ من أبي حنيفة، ومالك، وابن أبي ليلى".
وذكر أحمد بن حنبل مالكاً فقدّمه على الأوزاعي، والثوري، والليث، وحماد، والحَكم، في العلم، وقال: "هو إمام في الحديث، وفي الفقه".
وقال القطّان: "هو إمام يُقتدى به".
وقال ابن معين: "مالكٌ من حُجج الله على خلقه".
وقال أسد بن الفرات: "إذا أردتَ الله والدارَ الآخرة فعليك بمالكٍ".
بيان أهميّة القواعد وعظم نفعها
لا ريب أنَّ معرفةَ القواعد والأصول والضوابط الكليّة الجامعة يُعدُّ من
أعظم العلوم وأجلِّها نفعاً وأكثرها فائدةً، ذلك أنَّ "الأصول والقواعد
للعلوم بمنزلة الأساس للبنيان والأصول للأشجار لا ثبات لها إلاّ بها،
والأصول تبنى عليها الفروع، والفروع تثبت وتتقوّى بالأصول، وبالقواعد
والأصول يثبت العلم ويقوى وينمي نماءً مطَّرداً، وبها تُعرف مآخذ الأصول،
وبها يحصل الفرقان بين المسائل التي تشتبه كثيراً، كما أنَّها تجمع النظائر
والأشباه التي من جمال العلم جَمعُها" إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة
والمنافع الجليلة التي لا تحصى.
بل إنَّ "من محاسن الشريعة وكمالها وجمالها وجلالها: أنَّ أحكامَها
الأصوليَّة والفروعية والعبادات والمعاملات وأمورها كلّها لها أصولٌ
وقواعدُ تَضبِطُ أحكامَها وتَجمعُ مُتفرِّقَها وتَنشر فروعَها وتَردُّها
إلى أصولها" .
والقاعدة: هي أمرٌ كلّيٌّ ينطبق على جزئيّاتٍ كثيرةٍ تُفهم أحكامُها منها .
فإذا ضُبطت القاعدةُ وفُهم الأصلُ أمكن الإلمام بكثيرٍ من المسائل التي هي
بمثابة الفرع لهذه القاعدة، وأُمن الخلطُ بين المسائل التي قد تشتبه، وكان
فيها تسهيلٌ لفهم العلم وحفظه وضبطه، وبها يكون الكلام مبنياًّ على علمٍ
متينٍ وعدلٍ وإنصافٍ.
ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "لا بُدَّ أنْ يكون مع
الإنسان أصولٌ كليّةٌ تُردُّ إليها الجزئيّات؛ ليتكلّم بعلمٍ وعدلٍ، ثمّ
يعرف الجزئيّات كيف وقعت، وإلاّ فيبقى في كذبٍ وجهلٍ في الجزئيّات، وجهلٍ
وظُلمٍ في الكليّات فيتولّد فسادٌ عظيمٌ" .
لأجل هذا عُني أهل العلم كثيراً بوضع القواعد وجَمعها في الفنون المختلفة،
فلا تكاد تجد فناًّ من الفنون إلاّ وله قواعدُ كثيرةٌ وضوابطُ عديدةٌ تَجمع
مُتَفرِّقَه، وتُزيل مشتَبهَه، وتُنير معالمَه، وتُيسِّر فهمَه وحِفظَه
وضبطَه ، "ويحصل بها من النفع والفائدة على اختصارها ما لا يحصل في الكلام
الطويل" ولهذا فإنَّه يترتَّب على العناية بالقواعد المأثورة والأصول
الكليّة المنقولة عن السلف الصالح - رحمهم الله - من الفوائد والمنافع ما
لا يعلمه إلاّ الله؛ لأنَّ فيها كما يقال وضعُ النقاط على الحروف، وفيها
تجليةٌ للأُمور، وتوضيحٌ للمسائل، وإزالةٌ للّبْس، وأَمْنٌ من الخَلْط، إلى
غير ذلك من الفوائد.)) . [من بحث الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله]
كلام الإمام مالك رحمه الله في العلم والعمل
جُنَّة العالم: " لا أدري " فإذا أغفلها أصيبت مقاتله.
قال ابن وهب: لو شئت أن أملا ألواحي من قول مالك: " لا أدري " لفعلت.
قال الهيثم بن جميل: سمعت مالكاً سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فأجاب في اثنتين وثلاثين منها بـ " لا أدري ".
وعن خالد بن خداش، قال: قدمت على مالك بأربعين مسألة، فما أجابني منها إلا في خمس مسائل.
ابن وهب، عن مالك، سمع عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن
يورث جلساءه قول: " لا أدري ". حتى يكون ذلك أصلا يفزعون إليه.
قال ابن عبد البر: صح عن أبي الدرداء أن: " لا أدري "، نصف العلم.
قوله رحمه الله :
كل أحد يؤخذ من قوله، ويترك، إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم.
قال ابن وهب: قال مالك:
العلم حيث شاء الله جعله، ليس هو بكثرة الرواية.
قال الحافظ ابن عبد البر في " التمهيد ": هذا كتبته من حفظي، وغاب عني
أصلي: إن عبد الله العمري العابد كتب إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل.
فكتب إليه مالك:
إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة، ولم يفتح
له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في
الجهاد.
فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر.
قال عبد الرحمن بن مهدي سألت مالك بن أنس عن حديث وهو واقف فأبى أن يحدثني فلما قعد قال :
يا هذا إنك سألتني وأنا واقف وكرهت أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا واقف.
عن ابن القاسم قال: قيل لمالك: لِمَ لَم تأخذ عن عمرو بن دينار ؟ قال: أتيته، فوجدته يأخذون عنه قياماً،
فأجللت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذه قائماً.
إسماعيل بن أبي أويس، قال:
سألت خالي مالكاً عن مسألة، فقال لي: قر، ثم توضأ، ثم جلس على السرير ثم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وكان لا يفتي حتى يقولها.
خالد بن خداش قال ودعت مالك بن أنس فقلت أوصني يا أبا عبد الله قال
تقوى الله وطلب العلم من عند أهله
قال إسماعيل بن أبي أويس سمعت خالي مالك ابن أنس يقول
إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فقد أدركت سبعين وأشارت بيده
إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقول قال فلان قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلم آخذ عنهم شيئا ولو أن أحدهم أؤتمن على بيت مال لكان
به أمينا وكان يقدم علينا ابن شهاب الزهري فنزدحم على بابه.
إبراهيم بن المنذر: حدثنا معن، وغيره، عن مالك، قال:
لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه، وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعة
يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس، وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح
عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به.
قال يحيى بن سليمان بن نضلة المدني سمعت مالك بن أنس يقول
لا أوتى برجل يفسركتاب الله غير عالم بلغات العرب إلا جعلته نكالا.
عن خلف بن عمر، سمع مالكاً يقول:
ما أجبت في الفتوى حتى سألت من هو أعلم مني: هل تراني موضعاً لذلك؟ سألت
ربيعة، وسألت يحيى بن سعيد، فأمراني بذلك. فقلت: فلو نهوك ؟ قال:
كنت أنتهي، لا ينبغي للرجل أن يبذل نفسه حتى يسأل من هو أعلم منه.
ابن وهب، قال لي مالك:
العلم ينقص ولا يزيد، ولم يزل العلم ينقص بعد الأنبياء والكتب.
ابن وهب: سمعت مالكاً يقول:
ما تعلمت العلم إلا لنفسي، وما تعلمت ليحتاج الناس إلي، وكذلك كان الناس.
سأل رجل مالكاً عن مسألة، فأجابه، فقال: أنت من الناس، أحيانا تخطئ، وأحيانا لا تصيب، قال: صدقت. هكذا الناس.
فقيل لمالك: لم تدر ما قال لك ؟ ففطن لها، وقال:
عهدت العلماء، ولا يتكلمون بمثل هذا، وإنما أجيبه على جواب الناس.
ابن وهب: سمعت مالكاً يقول:
حق على من طلب العلم أن يكون له وقار، وسكينة، وخشية، والعلم حسن لمن رزق
خيره، وهم قسم من الله تعالى، فلا تمكن الناس من نفسك، فإن من سعادة المرء
أن يوفق للخير، وإن من
شقوة المرء أن لا يزال يخطئ، وذل وإهانة للعلم أن يتكلم الرجل بالعلم عند من لا يطيعه.
عن آيات وأحاديث صفات الله عز وجل :
عن يحيى بن يحيى يقول: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله
{الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} فكيف استوى؟، قال: فأطرق مالك رأسه
حتى علاه الرحضاء ثم قال:
الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلاّ مبتدعاً.
فأمر به أن يُخرج
[ أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/305،306). وفي الاعتقاد (ص:56)،
وقال الذهبي هذا ثابت مختصر العلوّ (ص:141). ورواه عن مالك طائفة]
في بعض روايات الأثر أن الرجل ناداه : يا أبا عبد الله، والله الذي لا إله إلاَّ هو، لقد سألتُ عن
هذه المسألة أهلَ البصرة والكوفة والعراق، فلم أجِد أحداً وُفِّق لما وُفِّقت له
وقال يحيى بن خلف الطَرسوسي: "كنت عند مالك فدخل عليه رجل، فقال: يا أبا
عبد الله ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال مالك: زنديق، اقتلوه،
فقال: يا أبا عبد الله، إنّما أحكي كلاماً سمعته، قال: إنّما سمعته منك،
وعظَّم هذا القول".
أخرج الدارقطني عن الوليد بن مسلم قال : سألت مالكاً والثوري والأوزاعي والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات فقالوا :
أمروها كما جاءت
كلامه رضوان الله عليه في الحث على الاعتصام بالسنة
والتنفير والتحذير من البدع في الدين
قال بشر بن عمر الزهراني سمعت مالك بن أنس يقول
من أراد النجاة فعليه بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
أخرج الهروي عن الشافعي قال: سئل مالك عن الكلام والتوحيد , فقال مالك :
محال أن يظن النبي صلى الله عليه وسلم , انه علم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم
التوحيد , والتوحيد ما قاله النبي صله الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) فما عصم به المال والدم حقيقة التوحيد
(اعتقاد الأئمة الأربعة ولم أجده في كتاب الهروي)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : رَوَى الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ فِي ذَمِّ الْكَلَامِ , قَالَ
سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ جَابِرًا السُّلَمِيُّ , قَالَ سَمِعْت
مُحَمَّدَ بْنَ عَقِيلِ بْنِ الْأَزْهَرِ الْفَقِيهَ يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ
إلَى الْمُزَنِيّ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْكَلَامِ , فَقَالَ إنِّي
أَكْرَهُ هَذَا بَلْ أَنْهَى عَنْهُ كَمَا نَهَى عَنْهُ الشَّافِعِيُّ ,
وَلَقَدْ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْكَلَامِ
فِي التَّوْحِيدِ قَالَ مَالِكٌ مُحَالٌ أَنْ يُظَنَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ عَلَّمَ أُمَّتَهُ الِاسْتِنْجَاءَ
وَلَمْ يُعَلِّمْهُمْ التَّوْحِيدَ بِالتَّوْحِيدِ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ
حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ , فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا
مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى
اللَّهِ } فَمَا عُصِمَ بِهِ الدَّمُ وَالْمَالُ فَهُوَ حَقِيقَةُ
التَّوْحِيدِ ذَلِكَ مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو إسْمَاعِيلَ
الْأَنْصَارِيُّ فِي كِتَابِ ذَمِّ الْكَلَامِ [الفتاوى الكبرى 6/650]
قال الإمام مالك رحمه الله:
مَن ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أنَّ محمداً خان الرسالة؛
لأنَّ الله يقول: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ))، فما لَم يكن
يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً
الاعتصام للشاطبي (1/28).
وأخرج أبو نعيم عن عبدالله بن نافع قال ( سمعت مالكاً يقول :
لو أن رجلاً ركب الكبائر كلها بعدَ ألا يشرك بالله ثم تخلّى من هذه الأهواء والبدع - وذكر كلاماً - دخل الجنة )
قال الإِمام مالك بن أَنس رحمه الله تعالى :
السنَّة سَفينةُ نوح مَن رَكبَها نجَا ومَن تَخَلّفَ عنَها غَرِقَ
« مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة » للسيوطي .
ساق ابن العربي بإسناده عن سفيان بن عيينة قال : سمعت مالك بن أنس - وأتاه
رجل - فقال : يا أبا عبد الله، من أين أحرم؟ قال : من ذى الحليفة من حيث
أحرم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} ، فقال : إنى أريد أن أحرم من المسجد،
فقال : لا تفعل. قال : إنى أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال : لا
تفعل فإنى أخشى عليك الفتنة. قال : وأيّ فتنة فى هذا؟ إنما هي أميال
أزيدها. قال :
وأيّ فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله
عليه وسلم ! إني سمعت الله يقول : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن
تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ).
قال ابن القيم في [ إغاثة اللهفان ] : ما أحسن ما قال مالك بن أنس رحمه الله :
لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها
وأخرج الهروي عن عبدالرحمن بن مهدي قال دخلت على مالك وعنده رجل يسأله
فقال : لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد و لعن الله عمرو بن عبيد فإنه ابتدع هذه
البدعة من الكلام ,
ولو كان الكلام علماً لتكلَّم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع
قال ابن أبي أويس سمعت مالك بن أنس يقول
ما قَلّت الآثار في قوم إلا ظهرت فيهم الأهواء،
ولا قلت العلماء إلا ظهر في الناس الجفاء.
قال مطرّف بن عبد الله: سمعتُ مالكاً يقول:
سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ووُلاة الأمر بعده سُنناً، الأخذُ بها
اتّباع لكتاب الله، واستكمالٌ بطاعة الله، وقوّةٌ على دين الله، ليس لأحد
تغييرها، ولا تبديلُها، ولا النّظرُ في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو
مهتدٍ، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتّبع غير سبيل المؤمنين،
وولاّه الله ما تولّى، وأصلاه جهنّم وساءت مصيراً.
في كتاب الانتقاء لابن عبد البر (ص:35): أن رجلاً سأل مالكاً فقال: من أهل السنة؟ قال:
أهل السنة الذين ليس لهم لقبٌ يُعرفون به؛ لا جهمي ولا قدري ولا رافضي.
كلامه رحمه الله في النهي عن الجدل والخصومات في الدين
ابن وهب: سمعت مالكاً يقول:
ليس هذا الجدل من الدين بشيء.
قوله رحمه الله الذي أخرجه كثير من الأئمة :
أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل، تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله ؟ !
كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء، قال:
أما إني على بينة من ديني، وأما أنت، فشاك، اذهب إلى شاك مثلك فخاصمه.
قال القاضي عياض: قال معن: انصرف مالك يوما، فلحقه رجل يقال له: أبو الجويرية، متهم بالارجاء.
فقال: اسمع مني،
قال: احذر أن أشهد عليك.
قال: والله ما أريد إلا الحق، فإن كان صوابا، فقل به، أو فتكلم.
قال: فإن غلبتني.
قال: اتبعني.
قال: فإن غلبتك، قال: اتبعتك.
قال: فإن جاء رجل فكلمنا، فغلبنا ؟ قال: اتبعناه.
فقال مالك:
يا هذا، إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بدين واحد، وأراك تتنقل.
وعن مالك قال:
الجدال في الدين ينشئ المراء، ويذهب بنور العلم من القلب ويقسي، ويورث الضغن.
قال القاضي عياض: قال أبو طالب المكي: كان مالك رحمه الله أبعد الناس من مذاهب المتكلمين، وأشد نقضا للعراقيين.
قال عبد الرحمن بن مهدي سمعت مالك بن أنس يقول
لم يكن شيء من هذه الأهواء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان
قال عبد الله بن نافع سمعت مالك بن أنس يقول :
لو أن العبد ارتكب الكبائر بعد أن لا يشرك بالله شيئا ثم نجا من هذه
الأهواء والبدع والتناول لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجو أن يكون
في أعلى درجة الفردوس مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك
رفيقا وذلك أن كل كبيرة فيما بين العبد وبين الله عز وجل فهو منه على رجاء
وكل هوى ليس منه على رجاء إنما يهوي بصاحبه في نار جهنم من مات على السنة
فليبشر من مات على السنة فليبشر من مات على السنة فليبشر
قال يحيى بن سليمان بن نضلة سمعت مالك بن أنس يقول
لو أن رجلا ارتكب جميع الكبائر ثم لم يكن فيه شيء من هذه الأهواء لرجوت له ، من مات على السنة فليبشر
قال يعقوب بن حميد بن كاسب قال مالك بن أنس
لو لقي الله رجل بملء الأرض ذنوباً ثم لقي الله بالسنة لكان في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
أخرج ابن عبد البر عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال كان مالك بن أنس يقول :
الكلام في الدين أكرهه ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه , نحو الكلام
في رأي جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك , ولا يحب الكلام إلا فيما تحته عمل ,
فأما الكلام في دين الله وفي الله عز وجل فالسكوت أَحَبُّ إليَّ لأني رأيت
أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل.
عن عبد الله بن عمر بن الرماح، قال: دخلت على مالك، فقلت:
يا أبا عبد الله، ما في الصلاة من فريضة ؟ وما فيها من سنة ؟ أو قال نافلة، فقال مالك: كلام الزنادقة، أخرجوه.
قوله رحمه الله في الصحابة :
أخرج أبونعيم عن عبدالله العنبري(104) قال ( قال مالك بن أنس :
من تَنَقَّصَ أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , أو كان في
قلبه عليهم غِل , فليس له حق في فيء المسلمين , ثم تلا قوله تعالى (والذينَ
جاءوُا من بعدِهِم يَقولون رَبَّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا
بالإيمان ولا تجعل في قُلوبنا غِلاً ) . فمن تنقصهم أو كان في قلبه عليهم
غِل , فليس له في الفيء حق.
وأخرج أبو نعيم عن رجل من ولد الزبير قال ( كنا عند مالك فذكروا رجلاً
يَتَنقَّص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقرأ مالك هذه الآية
( مُحمدٌ رسوُل الله والذين معهُ أشداء - حتى بلغ - يُعجب الزُّراع ليغيظ بهم الكفار ) .
فقال مالك : من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية.
وصايا
قال ابن وهب قال لي مالك :
لا تحملن أحدا على ظهرك ولا تمكن الناس من نفسك أد ما سمعت وحسبك ولا تقلد الناس قلادة سوء
وسمعت مالكاً يقول :
الدنو من الباطل هلكة والقول في الباطل يصدف عن الحق ولا خير في شيء من
الدنيا بفساد دين المرء ولا مرؤته ولا بأس على الناس فيما أحل الله لهم
وسمعت مالكاً يقول
دخلت على أبي جعفر فرأيت غير واحد من بني هاشم يقبل يده المرتين والثلاث ورزقني الله العافية من ذلك فلم أقبل له يداً.
ابن وهب، عن مالك، قال:
دخلت على المنصور، وكان يدخل عليه الهاشميون، فيقبلون يده ورجله عصمني الله من ذلك.
ابن وهب، عن مالك قال:
بلغني أنه ما زهد أحد في الدنيا واتقى، إلا نطق بالحكمة.
ابن وهب، عن مالك قال:
إن الرجل إذا ذهب يمدح نفسه، ذهب بهاؤه.
ابن وهب: سمعت مالكاً يقول:
اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الانسان بكل ما يسمع.
هذا، والله سبحانه أعلى وأعلم ،
وأسأل الله عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه ويتقبله مني وأن ينفع به المسلمين،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.