بسم الله الرحمن الرحيم
كنت أقرأ في كتاب ((
الخلافة أو الإمامة العظمى )) للشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى ، فلمست
منه في بعض المواطن انحرافاً ظاهراً عن أمير المؤمنين سيدنا معاوية بن أبي
سفيان رضي الله عنه ، فدفعني ذلك للبحث لتحرير موقفه منه ، سيما وأن ذلك
متيسر بعد توافر أعداد مجلة المنار بصيغة إلكترونية فيسهل البحث فيها .
ورجعت بعد ذلك إلى كتاب (( منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة )) وهو
رسالة علمية من إعداد الباحث تامر محمد محمود متولي ؛ فوجدته – جزاه الله
خيراً - ذكر هذه المسألة (ص777 – 782 ) وانتقد موقف رشيد رضا منها ، لكنني
انتبهت لذلك بعد فراغي من جمع النقول ، فلم أرغب في العزوف عن إتمام ما
بدأت به .
تحرير موقف رشيد رضا من معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما
يمكن تلخيص موقف رشيد رضا في عبارة وجيزة نقلها عن أبيه مقراً لها ، وهي
قوله : " لا نحب معاوية ولا نسبه " ( 1)، وهذه عبارة مجملة تفصيل مأخذه
فيها على النحو الآتي :
أولاً : عدم محبته وتوليه لمعاوية رضي الله عنه :يرجع ذلك عند رشيد إلى سببين :
السبب الأول : وهو مبني على مقدمتين : الأولى : قتاله لعلي رضي الله عنه ، وأنه سبب الفتن التي حصلت في الإسلام .
الثانية : أنه كان خارجياً طامعاً في الملك مجدداً للخلافات الجاهلية التي
كانت بين بني عبد شمس وبني هاشم ، ولم يكن في قتاله لعلي رضي الله عنه
متأولاً .
يقول : " وكان أول من سنَّ الخروج عنه معاوية بن أبي سفيان، ببغيه على أمير المؤمنين علي عليه السلام والرضوان" (2 ) .
ويقول في جوابه عن سؤال حول خروج معاوية على علي رضي الله عنه : " إن سيرة
معاوية تفيد بجملتها وتفصيلها أنه كان طالبًا للملك ومحبًّا للرياسة , وإني
لأعتقد أنه قد وثب على هذا الأمر مفتاتًا، وأنه لم يكن له أن يحجم عن
مبايعة علي بعد أن بايعه أولو الأمر أهل الحل والعقد , وإن كان يعتقد أنه
قادر على القيام بأعباء الأمة - كما يقولون - فما كل معتقد بأهليته لشيء
يجوز له أن ينازع فيه , وقد كان علي يعتقد أنه أحق بالخلافة ولما بايع
الناس مَن قبله بايع لئلا يفرق كلمة المسلمين ويشق عصاهم , ومعاوية لم
يراعِ ذلك.
وأنه هو الذي أحرج المسلمين حتى تفرقوا واقتتلوا" ( 3) .
ويقول : " ونحن من أولياء علي - عليه السلام والرضوان - لا من أولياء معاوية وفئته الباغية عليهم من الله ما يستحقون.
وكيف نحب من بغى على جدنا وخرج عليه، وكان سببًا في تلك الفتن التي كانت
نكتة سوداء في تاريخ عصر النور، وهو القرن الأول لنور الإسلام" ( 4) .
ويقول خلال كلامه عن اشتراط القُرشيَّة في الإمام أو الخليفة : " إن قريشًا
بطون كثيرة متفرقة وكان بينها من التعادي في الجاهلية ما بين غيرها من
قبائل العرب وبطونها، ومنه عداوة بني عبد شمس لبني هاشم التي خفيت بعد فتح
النبي - صلى الله عليه وسلم – لمكة وتأليفه لأبي سفيان كبير بني أمية، وفي
خلافة أبي بكر وعمر، وبدأ الاستعداد لإظهارها في خلافة عثمان وأظهرها
معاوية بعده " .
أما كونه لا يرى معاوية متأولاً ، فإنه في موضع من كلامه ينسب إلى جمهور
أهل السنة أنهم كانوا يرون معاوية مجتهدًا أخطأ في اجتهاده (5)، إلا أنه
يصرح بأنه لا يرى ذلك ، كيف ومعاوية عنده طالب ملك محب للرئاسة ؟ يقول في
مناقشته لأحد شيوخ الشيعة : " إن فرضنا أنه صح حديث مرفوع في ذكر شيعة علي
فإننا ننقل الكلام إلى المراد منه في اللغة، وقوله تعالى في موسى عليه
السلام: {هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} (القصص: 15) فنقول:
إنهم هم الذين اعتقدوا أنه هو الذي كان على الحق فنصروه على من عادوه
وتبرءوا منه وحاربوه من الخوارج، وكذا معاوية وأتباعه، خلافًا لابن حجر
الهيتمي وأمثاله الذي يخرجون هؤلاء منهم بحجة أنهم كانوا مجتهدين متأولين
فلهم أجر واحد، ولعلي وأتباعه أجران، فإن متبع الحق مستقل الفكر فيه بلا
هوى ولا تعصب لمذهب يجزم بأن معاوية نفسه كان باغيًا خارجًا على الإمام
الحق كالخوارج، وأنه طالب ملك، ويؤيد ذلك إكراه الناس على جعل هذا الملك
لولده يزيد المشتهر بالفسق، وأن بعض الخوارج كانوا متأولين كبعض أصحاب
معاوية الذين اعتقدوا أنه كان على حق في مطالبته بدم عثمان، فمجموع كل من
الفريقين بغاة خارجون على إمامهم الحق، وأفرادهم يتفاوتون في النية والقصد،
كتفاوتهم في العلم والجهل، وحكمه كرم الله تعالى وجهه عليهم في جملتهم هو
الحق، وهو أن بغيهم لا يُخْرِجهم من الإسلام، وإن كلمته عليه السلام:
(إخواننا بغوا علينا) لكلمة لو وزنت بالقناطير المقنطرة من اللؤلؤ
والمرجان، لكانت ذات الرجحان في هذا الميزان " (6) .
أما السبب الثاني ، فيرجع إلى السياسة التي سلكها معاوية رضي الله عنه في
الحكم، فالشيخ رشيد يرى أن حكمه كان حكماً استبدادياً أضعف فيه الشورى بل
أبطلها، وختم حكمه باستخلاف ابنه يزيد الفاسق بقوة الإرهاب ورشوة أهل الحل
والعقد، فسن بذلك سنة سيئة للخلفاء من بعده .
يقول في هذا : " وبه – أي معاوية - صارت الخلافة ملكًا عَضوضًا , ثم إنه
جعلها وراثة في قومه الذين حولوا أمر المسلمين عن القرآن بإضعاف الشورى بل
بإبطالها واستبدال الاستبداد بها حتى قال قائلهم على المنبر: (مَن قال لي:
اتق الله ضربت عنقه) ! بعد ما كان أبو بكر يقول على المنبر: (وليت عليكم
ولست بخيركم فإذا استقمت فأعينوني وإذا زغت فقوِّموني) وكان عمر يقول: (مَن
رأى منكم فيَّ اعوجاجًا فليقومه) " (7) .
ويقول : " وبه تحول شكل الحكومة الإسلامية عن القاعدة التي وضعها لها الله -
تعالى - في كتابه بقوله في المؤمنين: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}
(الشورى: 38) إلى حكومة شخصية استبدادية، جعلت مصالح الأمة كالمال يرثه
الأقرب فالأقرب إلى المالك، وإن كرهت الأمة كلها. فكان هذا أصل جميع مصائب
الأمة الإسلامية في دينها ودنياها " (
.
ويقول : " استحالت خلافة النبوة بعد عليّ والحسن عليهما السلام ملكًا
عضوضًا، كما ورد ، وهو من سنن الاجتماع، وكان بنو أمية وقد صفا لهم الملك
من أقدر قريش على استمرار الفتح وتوسيع دائرة الدولة وعظمتها؛ ولكن تحويل
زعيمهم الأول (معاوية) لحكم الإسلام الشوري (الديمقراطي) إلى عصبية النسب
(الأرستقراطية) كان سُنَّة سيئة دائمة قضت على دولتهم قبل أن يتم لها قرن
كامل، وهم الذين أحدثوا بسياستهم الجنسية فتنة الشعوبية فكانت عاقبة هذه
العصبية أنْ آل الحكم إلى الأعاجم، وصار قائمًا على قوة العصبية دون أصل
الشرع، وزال سلطان الإمامة الديني الذي تخضع الأمة له بوازع العقيدة، فصار
الحكم الإسلامي عسكريًّا مذبذبًا، لا أرستقراطيًّا ولا ديمقراطيًّا " ( 9) .
ويقول : " وأي عالم أو عاقل يقيس عهد أبي بكر إلى عمر في تحري الحق والعدل
والمصلحة بعد الاستشارة فيه ورضاء أهل الحل والعقد به على عهد معاوية
واستخلافه ليزيد الفاسق الفاجر بقوة الإرهاب من جهة ورشوة الزعماء من أخرى؟
ثم ما تلاه واتبعت فيه سنته السيئة من احتكار أهل الجور والطمع للسطان،
وجعله إرثا لأولادهم أو لأوليائهم كما يورث المال والمتاع؟ ألا إن هذه هي
أعمال عصبية القوة القاهرة المخالفة لهدي القرآن وسنة الإسلام " ( 10) .
ويقول في بحثه في الخلافة ، تحت عنوان (كيف سُن التغلب على الخلافة ؟ ) : "
كان سبب تغلُّب بني أمية على أهل الحل والعقد من الأمة أن قوة الأمة
الإسلامية الكبرى في عهدهم كانت تفرقت في الأقطار التي فتحها المسلمون
وانتشر فيها الإسلام بسرعة غريبة وهي مصر وسورية والعراق، وكان أهل هذه
البلاد قد تربوا بمرور الأجيال على الخضوع لحكامهم المستعمرين من الروم
والفرس، فلما صارت أزمَّة أمورهم بيد حكامهم من العرب استخدمهم معاوية الذي
سن سنة التغلب السيئة في الإسلام على الخضوع له بجعل الولاة فيهم من
صنائعه الذين يؤثرون المال والجاه على هداية الإسلام وإقامة ما جاء به من
العدل والمساواة، وصار أكثر أهل الحل والعقد الحائزين للشروط الشرعية
محصورين في البلدين المكرمين (مكة المكرمة والمدينة المنورة) وهم ضعفاء
بالنسبة إلى أهل تلك الأقطار الكبيرة الغنية التي تعول الحجاز وتغذيه.
أخذ معاوية البيعة لابنه الفاسق يزيد بالقوة والرشوة، ولم يلق مقاومة تذكر
بالقول أو الفعل إلا في الحجاز، فقد روى البخاري والنسائي وابن أبي حاتم في
تفسيره - واللفظ له - من طرق أن مروان خطب بالمدينة وهو على الحجاز من
قِبَل معاوية فقال: إن الله قد أرى أمير المؤمنين في ولده يزيد رأيًا
حسنًا، وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر وفي لفظ: سنة أبي بكر وعمر -
فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر! إن أبا بكر والله ما جعلها في
أحد من ولده إلخ. وفي رواية: سنة كسرى وقيصر، إن أبا بكر وعمر لم يجعلاها
في أولادهما. ثم حج معاوية ليوطئ لبيعة يزيد في الحجاز، فكلم كبار أهل الحل
والعقد أبناء أبي بكر وعمر والزبير فخالفوه وهددوه إن لم يردها شورى في
المسلمين، ولكنه صعد المنبر وزعم أنهم سمعوا وأطاعوا وبايعوا يزيد، وهدد من
يكذبه منهم بالقتل.
وأخرج الطبراني من طريق محمد بن سعيد بن زمانة أن معاوية لما حضره الموت
قال ليزيد: قد وطأت لك البلاد ومهدت لك الناس ولست أخاف عليك إلا أهل
الحجاز، فإن رابك منهم ريب فوجه إليهم مسلم بن عقبة فإني قد جربته وعرفت
نصيحته. قال: فلما كان من خلافهم عليه ما كان، دعاه فوجهه فأباحها ثلاثًا،
دعاهم إلى بيعة يزيد وأنهم أعبُدٌ له وقِنٌّ في طاعة الله ومعصيته.
وأخرج أبو بكر بن خيثمة بسند صحيح إلى جويرية بن أسماء: سمعت أشياخ في
المدينة يتحدثون أن معاوية لما احتضر دعا يزيد فقال له: إن لك من أهل
المدينة يومًا فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة، فإني عرفت نصيحته إلخ. ذكره
الحافظ في الفتح.
أباح عدو الله مدينة الرسول ثلاثة أيام فاستحق هو وجنده اللعنة العامة في
قوله صلى الله عليه وسلم عند تحريمها كمكة (من أحدث فيها حدثًا أو آوى
مُحْدِثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم
القيامة صَرْفًا ولا عَدْلاً) أي فرضًا ولا نفلاً. متفق عليه. فكيف بمن
استباح فيها الدماء والأعراض والأموال؟
وكان الحسن البصري يقول: أفسد أمرَ الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار
على معاوية برفع المصاحف - وذكر مفسدة التحكيم - والمغيرة بن شعبة، وذكر
قصته إذ عزله معاوية عن الكوفة فرشاه بالتمهيد لاستخلاف يزيد فأعاده.
قال الحسن: فمن أجل هذا بايع هؤلاء الناس لأبنائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة اهـ. ملخصا من تاريخ الخلفاء.
وهذا الذي قاله الحسن البصري - من أئمة التابعين - موافق لما قاله ذلك
السياسي الألماني لأحد شرفاء الحجاز من أنه لولا معاوية لظلت حكومة الإسلام
على أصلها، ولساد الإسلام أوروبا كلها، وقد تقدم " ( 11 ) .
فلهذا كله، فإن رشيد رضا لا يتولى معاوية ولا يحبه، بل يقول : " وأما مسألة
موته فهي مما يفوض إلى الله - تعالى - من جهة الباطن، ونحن لنا الظاهر؛
وهو أنه مات مسلمًا ودفن بين المسلمين " ( 12 ) .
ثانياً : عدم سبه ولعنه لمعاوية ، وعدم تجويزه ذلك ، مع إعذاره لمن خالفه فأجاز اللعن والسب :أورد في أحد أعداد المنار سؤالاً نصه : " سيدي، قال لي أحد العلماء: إن من
يلعن معاوية أقل خطرًا ممن يترضى عنه، ولقصور علمي لم أحر جوابًا فهل هو
مصيب فيما قال أم مخطئ؟ أفيدونا على صفحات المنار لا زلتم مؤيدين وبعين
العناية ملحوظين " .
ثم أجاب بقوله : " هو مخطئ بلا شبهة، فالدعاء بالخير- ومنه الترضي- من البر
إلا من قام عنده دليل قطعي على أن فلانًا مات كافرًا بالله، وأن الله
غضبان عليه، وهذا لا يُعرف إلا بوحي من الله تعالى؛ لأن المعاصي والكفر في
الحياة لا يدلان دلالة قطعية على أن صاحبيهما ماتا عليهما؛ لأن الخاتمة
مجهولة بلا خلاف بين العلماء، ولا العقلاء.
وأما اللعن فهو من السفه الذي لا ينبغي للمؤمن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالسباب ولا بالطعان ولا اللعان) .. " .
ثم نقل كلاماً للغزالي في مراتب اللعن وأتبعه بقوله : " قد أوردت كل هذا؛
ليعلم القارئ أن السنة الرجيحة، والأحاديث الصحيحة وسيرة السلف الصالحين،
وفقه أئمة الدين، كل ذلك ينهي المؤمن عن اللعن الذي يتساهل فيه أهل الأهواء
من السفهاء، وما أحسن قول حجة الإسلام: (في لعن الأشخاص خطر، ولا خطر في
السكوت عن لعن إبليس مثلاً فضلاً عن غيره) أي فإن الله تعالى - وإن لعنه-
لم يكلفنا لعنه، وأكبر العبر للمؤمن فيما تقدم تأديب الله تعالى نبيه؛ إذ
أنزل عليه حين طفق يلعن الذين قتلوا أصحاب بئر معونة {لَيْسَ لَكَ مِنَ
الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ
ظَالِمُونَ} " .
ثم قال : " هذا وإن السواد الأعظم من المسلمين يعدون سب معاوية ولعنه من
الكبائر، ويرمون سابه بالرفض والابتداع، وإن السني من المسلمين ليعادي
الشيعي على سب معاوية وأبي سفيان بل الخلفاء الثلاثة ويعادي الخارجي على سب
عثمان وعليّ ما لا يعادي غيرهما على ترك فريضة من الفرائض، أو ارتكاب
فاحشة من الفواحش، فهذا الطعن في عظماء الصحابة وحملة الدين الأولين لو كان
جائزًا في نفسه لكفى في تحريمه ما يترتب عليه من زيادة التفريق بين أهل
القبلة، وتمكين العداوة والبغضاء في قلوبهم حتى يكفر بعضهم بعضًا.
لهذا لا أبالي أن أقول لو اطلع مطلع على الغيب فعلم أن معاوية مات على غير الإسلام لما جاز له أن يلعنه " (13) .
ويظهر من هذه الفتوى مآخذه في عدم تجويز اللعن، وأن بعضها مصلحي يرجع إلى
باب سد الذريعة، أي : ذريعة الفتنة والفرقة بين المسلمين وتكفير بعضهم
بعضاً، وأنه لا فائدة من ذلك ، بخلاف تحقيق بغيه على علي رضي الله عنه فتلك
من أهم مسائل تاريخنا – كما يقول- ( 14) .
إلا أن هذه الفتوى لم تعجب بعض الناس، فقام رجل علوي من أصدقاء رشيد يدعى
محمد بن عقيل بن يحيى (1350 هـ = 1931 م ) وهو حضرمي كان يعيش في سنغافورة ،
بكتابة كتاب في ذم معاوية ولعنه سماه (( النصائح الكافية لمن يتولى معاوية
)) ، وقد أحدث هذا الكتاب ضجة في وقته وكتب الناس في الرد عليه وتأييده،
ومن الردود التي ألفت في الرد عليه رد الشيخ جمال الدين القاسمي الدمشقي
(1332 هـ = 1914 م) رحمه الله تعالى المسمى (( نقد النصائح الكافية )) .
وكان الشيخ رشيد قد نصح صاحب النصائح الكافية بعدم وضع هذا الكتاب كي لا
يكون سبباً للقيل والقال ، لكنه مع ذلك يقول إنه يعذره في اجتهاده – أي في
تجويز اللعن -( 15) ، ويرى أن المؤلف رجل سني حسن النية من حزب المصلحين (
16) .
أما القاسمي فقد شكر له رشيد أدبه وعلميته في رده، إلا أنه قال : " وقد جمع
صديقنا الناقد أحسن ما قيل في معاوية من الحقائق ومن الشعريات، ولم يذكر
في مقابلتها ما عليه، وما نكب به الإسلام والمسلمون على يديه، فإن كان غرضه
من هذا البحث أن ابن عقيل قد قصر؛ إذ ترك أحد الشقين، فهذا مشترك
الإلزام؛ لأنه هو قد قصر أيضًا بترك الشق الآخر، والصواب أن كل واحد منهما
قد ذكر ما يرمي إلى غرضه " (17 ) .
هذا حاصل ما وقفت عليه لتحرير موقف رشيد رضا من معاوية رضي الله عنه، وقد
كتبته على نحو ييسر نقضه ، وإن يسر الله رجعت فقمت بذلك ، والله أعلم .
كتبه محمد براء ياسين
ليلة الجمعة 28 /6/1432 هـ
20 / 4 / 2012 م
_____________
( 1) يقول في مقاله الذي كتبه بعد وفاة والده بعنوان : " المصاب العظيم
بالوالد الرحيم " (8/553) : " وكان سنيًّا شافعي المذهب، ويميل إلى الشيعة
إلا أنه يعظم الشيخين والسيدة عائشة ويقول في معاوية (لا نسبه ولا نحبه)
وينحي على غير الصحابة وعمر بن عبد العزيز من بني أمية إنحاء شديدًا. وقد
كان يقرأ في كتاب أمام أستاذه الشيخ محمود نشابة فجاء ذكر معاوية، فقال له
الشيخ: لِمَ لَمْ تقل (سيدنا معاوية) قال الوالد (سيدكم معاوية) قال الشيخ:
ألا تعترف بالسيادة لصاحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكاتب الوحي؟ قال
إنني لم أنكر صحبته، ولا كتابته للوحي، ولكن أقول: إنه لا سيادة لأموي على
هاشمي؛ فسكت الشيخ -رحمه الله تعالى- وكان الشيخ يحترمه حتى كان يخاطب
جميع تلامذته ويذكرهم بأسمائهم، ولا يذكره إلا بلقب السيد" .
( 2) مجلة المنار (30/450) ، جمادى الآخرة / 1348 ه ، تحت عنوان ( ثورة فلسطين أسبابها ونتائجها ) .
( 3) مجلة المنار (9/205) ، عدد ربيع الأول / 1324 هـ ، الأسئلة والأجوبة ، في جواب سؤال حول خروج معاوية على علي .
( 4) مجلة المنار (12/953) ، عدد ذي الحجة / 1327 ه ، تحت عنوان ( التفرق والخلاف بين المسلمين في سنغافورة ) .
( 5) مجلة المنار (29/671) ، عدد شعبان / 1347 ه ، تحت عنوان ( مقدمة رسائل السنة والشيعة ) .
( 6) مجلة المنار (33/441) ، عدد رجب / 1352 ه ، تحت عنوان ( أصل الشيعة وأصولها ) .
( 7) مجلة المنار (9/205) ، عدد ربيع الأول / 1324 هـ ، الأسئلة والأجوبة ، في جواب سؤال حول خروج معاوية على علي .
(
مجلة المنار (12/953) ، عدد ذي الحجة / 1327 ه ، تحت عنوان ( التفرق والخلاف بين المسلمين في سنغافورة ) .
( 9) مجلة المنار (35/1) ، عدد ربيع الأول / 1354 ه ، تحت عنوان ( التفرق والخلاف بين المسلمين في سنغافورة ) .
( 10) كتاب الخلافة أو الإمامة العظمى .
( 11) كتاب الخلافة أو الإمامة العظمى .
( 12) مجلة المنار (12/337) ، عدد جمادى الأولى 1327 هـ في جوابه عن سؤال ورد من سنغافورة .
( 13) مجلة المنار (8/625) ، عدد شعبان / 1323 هـ ، تحت عنوان حكم لعن معاوية والترضي عنه .
( 14) مجلة المنار (12/337) ، عدد جمادى الأولى 1327 هـ في جوابه عن سؤال ورد من سنغافورة .
( 15) مجلة المنار (14/313) ، عدد ذي القعدة / 1350 هـ ، في مقال له عقب وفاة ابن عقيل المذكور .
( 16) مجلة المنار (14/313) ، عدد ربيع الآخر / 1329 هـ ، وقد تحدث فيه عن
النصائح الكافية ورد القاسمي عليه ورد آخر اسمه الرقية الشافية .
( 17) مجلة المنار (8/625) ، عدد شعبان / 1323 هـ ، تحت عنوان حكم لعن معاوية والترضي عنه .