الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
قرأت
مقالاً عجيباً في إحدى الصحف المسماة "بالقومية" ينتقد كاتبه بشدة بعض
الهتافات التي صدرت من بعض الفلسطينيين رغم موقف الحكومة المصرية الواعي في
فتح معبر رفح وترك الفلسطينيين يدخلون إلى الأراضي المصرية مع إمكانية
مواجهة هذا الدخول بالقوة معتبراً أن كرامة مصر التي فوق كل اعتبار قد تقضي
-رداً على مثل هذه الهتافات- بإغلاق هذا المعبر.
ونحن
لا نشك أن مثل هذه الهتافات غير المسئولة لا تناسب القرار الواعي الذي
اتخذته الحكومة المصرية والذي عبر عن إرادة شعبية مصرية عارمة لكل طوائف
المصريين بمن فيهم فصائل العمل الإسلامي وغيرهم، والذي أيضاً بلا شك حقق
جانباً كبيراً لا يمكن إهماله من مصالح المسلمين في غزة وقضاء حاجاتهم، وهو
في الحقيقة جزء من واجبنا جميعاً في مواجهة التواطؤ العالمي على ظلمهم
وحصارهم وتضييع حقوقهم.
ونحن
في نفس الوقت لا نشك أن كرامة مصر لا يمكن أن تنالها أو تؤثر فيها مثل هذه
الهتافات من البعض الذي ضاقت بهم السبل وحاصرهم الجوع والمرض والظلام
والظلم بأشكاله المختلفة، بل في الحقيقة كرامة مصر في تحمل مثل هذه الصغائر
والاستمرار في العمل لمصلحة المسلمين في غزة وفلسطين كلها، وعدم الاستجابة
للانتقادات الأمريكية بسبب عدم ضبط الحدود، فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلاً
ولا ذمة، ولا يراعون في المسلمين حقوق إنسان، بل ولا حتى حيوان؛ فكيف
نستجيب لضغوطهم -حتى لو جمدوا المعونة أو قطعوها- فإن كرامة مصر لا تـُشترى
بالمال.
ولو
وجد المصريون نداءً للإنفاق في سبيل الله لتعويض هذا التجميد أو الإلغاء،
لاستجابوا ابتغاءً لوجه الله ثم حفاظاً على كرامة مصر التي يحرصون عليها،
ولا يرضون أن يتحكم فيها الأمريكان أو غيرهم، ولتحملوا ما يمكن أن يقع -أيا
ما كان- كنتيجة لمثل هذه المواقف التي تَرعى مصلحة أهليهم وإخوانهم في غزة
وغيرها.
إن
كرامة مصر في أن لا تنطلق منها رصاصة واحدة إلى صدر أو جسد مسلم في أي
مكان في العالم عموماً وإلى سكان غزة المضطهدين المُحَاصَرِين خصوصاً مهما
جرى من بعضهم غير الواعي وغير المسئول.
إن
كرامة مصر في العمل بما أمر الله من التعاون على البر والتقوى، وعدم
التعاون على الإثم والعدوان الذي منه حصار المسلمين في غزة ومنعهم حقوقهم.
إن
كرامة مصر في الالتزام بما فرضه الله على أهلها وقادتهم تجاه أمتهم
الإسلامية والعربية من موالاتهم ونصحهم، والسعي في وحدتهم ونصرهم على عدوهم
وعدو المسلمين الذي لا يـُخفـِي عداوته والذي صرح القرآن لنا بأنهم أشد
الناس عداوة لنا عبر الزمان والمكان (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)(المائدة: 82).
وإن كرامة مصر في عدم الخضوع لرغبات وإرادات الأعداء، وعدم الدخول في تحالفاتهم ضد الإسلام وأهله في كل مكان.
إن كرامة مصر وأهلها في إقامة دين الله، وشرعه في الأرض، والسعي لإعلاء كلمته، والبعد عن تقليد الغرب في أنماط حياته المخالفة لإسلام
إن
كرامة مصر في أن تفتح أبوابها للمستضعفين من المسلمين، وألا تطرد الذين
آمنوا من أي جنس كانوا إرضاء لأحد، ولنتذكر قول نوح عليه السلام: (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ)(هود: من الآية29) وقول الله تعالى لنبيه: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)(الأنعام: من الآية52)
إن النظرة الصحيحة لهذا الموقف تجعله خطوة على طريق كرامة مصر لا العكس.
فاحذروا
جزاكم الله خيراً من التفريط في الواجب الذي يمليه علينا ديننا أو تضييع
حق إخواننا، وأيقِنوا أن الله يُعلِي شأن أمتنا كلها بالتماسك والتعاطف
والتراحم والتسامح بين أبنائها، وليس بمواجهة الجهل والتعدي بجهل مثله أو
تعدي، وليكن شعارنا قول الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(فصلت: 34)، وقوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)(الأعراف: 199).